سعيد عبده مصطفى
سعيد عبده مصطفى


سعيد عبده مصطفى .. حكاوى الشوارع

أخبار الأدب

الإثنين، 22 يناير 2024 - 04:48 م

هذا الكتاب قصة رحلة مع الزمان والمكان فى مصر المحروسة ومعظمها فى القاهرة، رحلة مع الشوارع وحكاويها تحكى من خلالها قصة وطن.

لكل شارع اسم، ولكل اسم حكاية، ولكل حكاية عبرة، ولكل عبرة تاريخ يرتبط بزمن ومكان، لكن كل الحكاوى تدور فى شوارع مصر تحكى قصة مصر مع الزمن.

حكاوى الشوارع قصة تاريخ لا تحدده السنين، وقصة جغرافيا لا تحددها الخرائط والأماكن، وقصة علم يختلط فيه من كل إبداع زهرة.

اقرأ أيضاً| الشّعر العربي وجزر البحر المتوسّط: مرايا متناظرة

هل نبدأ قبل التاريخ ونحكى عن شوارع ترتبط بالفراعنة مثل أبى الهول والهرم بل والمتحف، أم نسرع نحو العصر القبطى ونبحر مع شوارع ارتبطت بالأديرة والكنائس، أم نسرع نحو العصر الإسلامى بداية من إنشاء الفسطاط مرورًا بالعسكر والقطائع حتى القاهرة الفاطمية والقلعة الأيوبية، أم نظل برهة مع المماليك وحكاوى الشوارع التى تحمل أسماءهم حتى نصل إلى العصر الحديث وهو يمثل الأغلبية فى شوارعنا الحالية؟

أسماء الشوارع حكايات وقصص تحمل تاريخ مصر فى عصور متوالية، لكنها تبقى رمزًا ومعنًى ومغزًى لقصة مصر، وزادًا فى رحلة المصرى التى لا تتوقف عبر التاريخ.

وبرغم أهمية حركة التاريخ فى حكاوى الشوارع -وهى كلها تاريخية- فإنَّ هذا الكتاب حاول أن يجعل وحدة الحكاية هى المكان، إذ تجمع شوارع كل منطقة معًا، ومن هنا نستطيع أن نصل إلى ثلاث حقائق مهمة نابعة من تاريخ مصر العريق.

أُولَاها: أن لكل منطقة وشارعٍ وحيٍّ نكهةً خاصةً، ومصر هى مزيج من هذه النكهات، وقد تجد فى منطقة واحدة تاريخًا يجمع كل تاريخ مصر خاصة أن القاهرة بوصفها عاصمة تكاد تكون أقدم من دول عديدة من دول العالم (أقول دول لا عواصم)، يمتزج فيها التاريخ والجغرافيا والدين والإحساس الإنسانى بكل معانيه.

الحقيقة الثانية: أنه فى شوارع مصر، ومن خلال أسمائها، تستطيع أن تكتشف التاريخ، هنا تأثّر بأوروبا وخاصة فرنسا وإيطاليا، وهناك تأثير آسيوي، وإلى جواره تأثر بعمارة عثمانية، وهكذا.

الحقيقة الثالثة: أنه فى شوارع مصر ومن خلال حكاوى الشوارع نَستطيعُ أن نرسم لوحة معبّرة عن مصر بكل ما فيها وما لها، بل وما عليها عبر الزمان، إنها قصة وطن، بل قصة حياة، إنها قصة وتاريخ الإنسانية منذ أن وُجدت الحضارة.

وإذا كانت مصر هى أول دولة إفريقية بدأت تسمية وترقيم الشوارع، فإن هذا الأمر كان بناءً على تخطيط سابق ودراسة عميقة، كما ذكر الباحث والكاتب ميشيل حنا، فقد كان التمسك بالتخطيط والترقيم القديم نوعًا من حفظ الأصول التاريخية، فكل شارع من شوارع مصر يحمل جزءًا أو فصلًا من تاريخ هذا البلد.

وقد بدأ ترقيم وتسمية شوارع مصر منذ مطلع القرن التاسع عشر مع بداية حكم محمد على مصر.

وكان للباحث ميشيل حنا سلسلة توثّق تواريخ مجموعة من شوارع القاهرة والمحافظات، ويؤكد الباحث أنه من الصعب السيطرة على الذاكرة الشعبية لأسماء الشوارع، ولكن يجب أن يَبذل المعنيّون الجهد للحفاظ على الأسماء القديمة، لأن هذا يُعتبر التاريخ الحى للمدنية، وطبيعيٌّ أن تستجدّ أسماء جديدة تستحق أن تُطلق على الشوارع، سواءٌ أكانت لعلماء أم أبطال أم مفكرين، والأفضل أن يكون ذلك فى المدن الجديدة التى ما تزال فى طَور التأسيس والبناء لتصنع حضارتها وفق عصرها، مع أهمية وجوب التمسك بالأسماء الأولى لحماية التراث.

وعلى الرغم من تغيير بعض أسماء الشوارع والمدن، ما زال الناس يتعاملون مع الاسم القديم، وهذه عادة مصرية متأصلة.

القسم الأول:

القاهرة الخديوية

شوارع وسط البلد وجاردن سيتى والروضة

شارع أحمد عرابي

وُلد أحمد عرابى بقرية (هرية رزنة) بالزقازيق بمحافظة الشرقية فى 31 مارس 1841م، وكان والده فلاحًا وشيخًا للبلد. تلقى تعليمًا تمثل فى القراءة والكتابة، وأرسله والده فى الثامنة من عمره إلى الأزهر ليدرس اللغة العربية والفقه والتفسير. وفى عام 1854م أصدر سعيد باشا قرارًا بتجنيد أبناء المشايخ فى الجيش فجُنِّد كأقرانه.

التحق عرابى بالخدمة العسكرية بدرجة بلوك أمين فى 6 ديسمبر 1854م، ورُقّى إلى ملازم ثانٍ فى 25 نوفمبر 1858م، ثم ملازم أول فى 23 فبراير 1859م، وإلى يوزباشى فى 18 أبريل 1859م، ثم إلى رتبة صاغ فى 17 ديسمبر 1859م، وإلى رتبة مقدم فى 1860م، وقائمقام (عقيد) عام 1861م، ثم رتبة أميرالاى (عميد) فى يونيو 1879م، ثم رتبة لواء 1882م. صدر الأمر بتعيينه وكيلًا لنظارة الحربية فى يناير 1882م، وفى فبراير 1882م اختير وزيرًا للحربية فى وزارة محمود سامى البارودى باشا.

فى 15 يناير 1881م اجتمع عدد من الضباط فى منزل أحمد عرابي، منهم عبد العال حلمي، وعلى فهمي، وألفى أفندى يوسف، وأحمد عبد الغفار، واتفقوا على أن يتحدث أحمد عرابى باسمهم، وأقسموا على فداء الوطن بأرواحهم، وكتبوا عريضة إلى رئيس النظار «رئيس الوزراء» يشكون وزير الحربية عثمان رفقى الشركسى لانحيازه إلى الأتراك والشراكسة، وطالبوا بعزله، كما طالبوا بانتخاب مجلس نواب، وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي، وتعديل القوانين العسكرية، وإلغاء السخرة. ووقّعَ على العريضة كلٌّ من: أحمد عرابى وعلى فهمى وعبد العال حلمي، وقدّموا العريضة لرياض باشا رئيس مجلس النظار.

قدم عرابى طلبات الجيش والأمة إلى الخديو توفيق فى 9 سبتمبر 1881م، ومعه جمع من الضباط نحو ثلاثين ضابطًا. استجاب الخديو لطلبات عرابي، وأقال وزارة رياض باشا، وأمر بانتخاب مجلس النواب.

لم يَكن الإنجليز ليسمحوا بأيِّ حركة وطنية من شأنها السعى بالبلاد إلى النهوض والتقدم، وكان الإنجليز متربصين بمصر يتحيّنون الفرصة لاحتلالها، وقد جاءت الفرصة فى حدوث مناوشات بين المصريين وبعض الأجانب فى الإسكندرية، فضربت إنجلترا فى صباح الثلاثاء 11 يوليو 1882م الإسكندرية، وأنزلت قواتها إليها بحُجة حماية الأقلّيات من الأجانب، وتحالف الخديو مع الإنجليز للقضاء على حركة عرابي، الذى قرر وقواته أن يذهبوا إلى كفر الدوار ليقطعوا الطريق على الإنجليز من احتلال البلاد، وكشف للأمة خيانة الخديو وتعاوُنَه مع الإنجليز.

فأصدَر السلطان فرمانًا بعصيان عرابى الذى أراد أن يردم قناة السويس ليفوت على الإنجليز دخول مصر عن طريقها، لكنْ خدعه ديلسيبس وادّعى أن القناة حيادية، وأن إنجلترا لن تستخدمها لأغراض حربية. إلا أن ديلسيبس تواطأ مع الإنجليز وسمح لهم بالدخول عن طريق القناة، ودارت معركة بين الجيش المصرى والإنجليز فى التل الكبير فى 13 سبتمبر 1882م، رغم بطولات الجيش المصري. فانسحب عرابى إلى القاهرة لمحاولة الدفاع عنها، لكنها سقطت فى يد الإنجليز فى 14 سبتمبر 1882م، وأُلقِيَ القبض على عرابي.

وقد حُوكِم عرابى وصدر القرار بنفيه إلى جزيرة سيلان، وغادر مصر فى 28 ديسمبر 1882م، حيث قضى فى منفاه أكثر من 19 عامًا.

عاد عرابى إلى مصر فى 30 سبتمبر 1901م، ليقيم مع أولاده فى عمارة البابلى بشارع الملك الناصر المتفرِّع من شارع خيرت بحيّ السيدة، وتُوفّى يوم 21 سبتمبر 1911م.

كتب عرابى مذكراته التى استعرض فيها جميع أحداث ثورته، تحت عنوان: (مذكرات الزعيم أحمد عرابي: كشف الستار عن سر الأسرار فى النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية).

ولم يُنصَف عرابى إلا بعد ثورة يوليو، إذ اعتُبر امتدادًا لضباط يوليو أنفسهم.

يمثل الشارع امتداد طلعت حرب، وينتهى مع تقاطُع رمسيس، وكان يُطلق عليه قبل الثورة شارع الخديو توفيق.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة